فوائد الثبات على الحق يحتاج المسلم لمعرفتها، وينبغي عليه عدم التفريط فيها، ففي كل يوم يدعو المسلمون في صلاتهم “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ“، يطلبون أن يوفقهم الله على هذا الطريق ويثبتهم عليه طمعًا في رحمة الله، ولأهميته نتعرف على معنى الثبات على الحق والوسائل المعينة عليه من خلال موقعكم سوبر بابا.
فوائد الثبات على الحق
لا شك أن هناك فوائد للثبات على الحق عظيمة جدًا في الدنيا والآخرة لكل إنسان يثبت على الطريق الذي أمره الله به، وما أشد فرحة المؤمن إذا توفاه الله ثابتًا على الحق إلى يوم يلقاه.
1- فوائد في الحياة
سمة مُهمة للثابتين على الحق أنهم لا يغيرون مواقفهم في حياتهم، فمن السهولة واليسر أن تعرف رأيهم دون حتى أن تلقاهم، فيكفيك أن تعرض المسألة على الكتاب والسنة وتعرف الموقف الصحيح فيهما فتجزم بأن هذا موقفهم وهذا رأيهم؛ لأنهم لا يخالفون المنهج، لذا فهم أناس واضحون ثابتون على مواقفهم لا يتغيرون ولا يتلونون.
2- فوائد قبل الموت
تلك اللحظة التي يخاف منها كل إنسان، لحظة أن يفارق كل ما اعتاد عليه في هذا العالم وأدرك كيفية التعامُل معه، فيُقدِم على خطوة في طريق مجهول يخاف من عاقبته، فيضطرب اضطرابًا شديدًا؛ فالموقف صعب نسأل الله السلامة منه.
لكن يرسل الله للثابتين على الحق من يطمئنهم ومن يكون معهم في هذا الوقت العصيب، فيخبرنا تعالى في سورة فصلت: “إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ” (30).
فالملائكة تنزل عليهم تطمئنهم بعد الموت وتثبتهم أنهم لن يكونوا في هذا الطريق المجهول وحدهم، بل سيكونون معهم لن يفارِقوهُم، ويدعونهم إلى عدم الحزن على ما تركوه من أهل ومال، وأيضًا عدم الخوف من المُستقبل من مئال هذا الطريق الطويل المجهول.
فيبشرونهم بالجنة في نهاية المطاف لهذا الطريق فيطمئنون، فهل بعد هذه السعادة من سعادة وهل بعد هذه الثمرة من ثمرة؟
3- فوائد في القبر
لعل من أعظم فوائد الثبات على الحق هي لحظة أول دخوله لقبره، ففي الحديث الذي يرويه عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الْمَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ بِالتَّثْبِيتِ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ) صحيح أبي داود.
فاللحظة الأولى في دخول الإنسان لقبره هي أهم اللحظات وأكثرها رهبة للناس عامةً وللمؤمنين خاصةَ، فيُدرِك حينها الثابتون فوائد الثبات على الحق في هذا الوقت أيما إدراك، حينما تأتيهم الملائكة مرة أخرى لتثبتهم ولتكون بجوارهم.
فيقول الله تبارك وتعالى: “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ “، قال المفسرون ” وفي الآخرة” أي في القبر وهو أول منازل الآخرة، فما أعظم فرحتهم في هذا الموقف الصعب الشديد.
اقرأ أيضًا: إحسان الظن بالناس في الإسلام
معنى الثبات على الحق
الحق هو اسم من أسماء الله سبحانه، فقد قال تعالى: “ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ“، وهو وصِفَ لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وللنبيين أيضًا.
فقد وصفهم الرسول في دعائه فقال: “والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ“، وهو وصف كذلك لكتابه الكريم فقال تعالى: “حتى جاءهم الحق” وهو القرآن الكريم كما قال العلماء المفسرون.
الحق هو الطريق المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، لهذا فمعنى الثبات على الحق أن يستمر الإنسان في اِتباع طريق الله والرسول والقرآن، وهو طريق واحد لا يتغير ولا ينحرف، استمرارًا ليس بعده تهاون أو تفريط إلى أن يلقى الله -سبحانه وتعالى- وهو على ذلك.
الاستقامة والثبات على الحق
الاستقامة والثبات على الحق نعمة عُظمى للمؤمن، ولن يشعر بقيمتها الآن، بل حين لا يجد حوله ولا معه أحدًا ينفعه، في لحظة الموت وما بعده من مواقف مؤلمة وشديدة الرهبة، حينها يحتاج لأي أحد يعينه في تلك المواقف العظمى وهو في أقصى لحظات ضعفِه وخوفِه.
سيجد بذلك أعظم الفوائد للثبات على الحق متمثلة أمامه، ولتحصيل فوائد الثبات على الحق لا بد من معرفتها والوسائل المعينة على تحصيلها، مع ذكر أهمية تدارس بعض من سير الثابتين على الحق لنتأسى بهم ونسير على خُطاهم.
اقرأ أيضًا: التدخل في شؤون الآخرين في الإسلام
الوسائل المعينة على الثبات على الحق
إن الثبات على الحق ليس أمرًا سهلًا، بل يحتاج إلى جهد كبير، ولذلك لا بُد له من وسائل معينة عليه، منها:
1- استشعار العاقبة والعمل لها
أهم الوسائل التي تعين الإنسان وتساعده كي يثبت على الحق فلا يتلون ولا يتبدل أن يستشعر العاقبة التي تنتج وتتحصل له منها، فمن فوائد الثبات على الحق أن يموت الإنسان على الحق الذي كان يسير في حياته عليه.
فمن عاش على خلق أو سلوك وداوم عليه ختم الله حياته على هذا السلوك.. فقيل من حافظ على شيء وداوم عليه مات عليه، ومن مات في على شيء بعث عليه كما قال حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- ما يرويه حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- في صحيح مسلم أنه قال: (يبعث كل عبد على ما مات عليه).
2- اتباع الكتاب والسنة والتمسك بهما
إن اِتباع الكتاب والسنة دليل على أن المُسلم يُخالف هواه في أموره التعبدية وبالتالي لا يتصرف تصرفًا إلا بعد عرضِه على القرآن والسنة الصحيحة، فإن وجد عمله موافقًا لهما أمضاه وإلا فليرجع ولينته عن هذا الفعل.
فقد حذر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين من التبديل والتغيير في دين الله بحسب أهوائِهم بعد موته، فقال في حجة الوداع محذرًا المسلمين: “لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض“.
ذلك بعد أن ترك لنا ما يُعيدنا إلى صراط الله المستقيم لو ضللنا الطريق، فقال: “تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما أبدًا، كتاب الله وسنّة نبيّه“.
3- البحث عن القدوات الصالحة في الأمة واتباعهم
يظل دومًا في أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- رجالها الذين ينطبق عليهم قول الله سبحانه: “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا“.
فهم المُتمسكين بدين الله المحافظون على حدود الله الذين لا تخلو منهم الحياة، وينبغي البحث عنهم أحياءً وأمواتًا وقراءة سيرهم والتعلم من مواقفهم والسير على خطاهم؛ فهم الأدلاء إلى طريق الله، أقصر وأيسر السُبل للوصول إلى الله سبحانه.
اقرأ أيضًا: العدل في نظر الإسلام
4- التواصي بالصبر باب الثبات
من المعروف أن الحق مر على النفس تقبله، ولذا يحتاج صبرًا عظيمًا ومصابرة حتى تعتاده النفوس، وكل إنسان يطلب خيرًا لنفسه لا بُد أن يعود نفسه الصبر عليه، فالصبر أحد أهم أسباب الحصول على فوائد الثبات على الحق؛ لأن الثمرة غالية وبالتالي ثمنها صعب شديد وشاق فلا بُد من تعويد النفس على تحمله.
فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة” صححه الشيخ الألباني.
إن السير على طريق الحق والثبات عليه أمر عسير جدًا ويتطلب الكثير من التحمل والمعاناة ولكن ثمرته أغلى من كل الثمار، فثمرته رضا الله الذي لا سخط بعده، وعطاء الله الذي لا عطاء مثله.